Friday, December 2, 1994

Jean Girau, Moebius ou Gir


جان جيرو، »موبيوس« أو »جير«
عندما تحوّل الشريط المصور فنّاً تاسعاً
ماذا تراه يفعل »جير« أو »موبيوس« في بيروت؟ والإسمان هما للرسام نفسه جان جيرو الآتي إلينا من عالم الغرب الأميركي الواقعي وعالم الخيال الأوروبي في آن عمّا تراه يبحثُ  »جير«، موقّع أشهر قصص الوسترن في عالم الشرائط المصوّرة -وربّما أحد روّادها،  أو »موبيوس«، مبتكر عالم الخيال العلمي الذي بات لديه مقلّدين في الموجة الحديثة لهذا الفن الذي لا يزال يبحثُ عن شرعيّته لدينا؟ هل شدّت »جير« إلينا تلك القصص التي نقلتها وسائل التلفزة العالميّة عن بيروتالحرب ورأى فيها ما يقتربُ من عالم رعاة البقر القائم على صراع البقاء والصراع بين الخير المجرّد والشرّ المجرّد والإحتكام إلى عدالة البندقيّة؟ أم تراها المشاهد إيّاها عن الدمار التي تقتربُ من عالم الخيال التي يُبدِعُها »موبيوس« بامتياز هي التي دفعت هذه الشخصيّة المركّبة إلينا؟ فجان جيرو ليس في بيروت لتعليق نماذج من أعماله في صالة عرض وحسب، وإنّما ليرسم أيضاً عن هذه المدينة -وربّما ناسها إنطباعات زيارة خاطفة  لا تتعدّى الأيام الأربع يتنقّلُ فيها بين أسواق مدمّرة وفندقٍ فخم ومدينة جنوبيّة
والسؤال يستدركُ عكسه ماذا تراها تريد بيروت من رسّام بحجم »جير« أو »موبيوس« ؟ أهو التماهي بشخصيّة فنيّة مركّبة إلى حدّ الإنفصام لتقول أن حدّة تناقضاتها لها ما يبرّرها في عالم الإبداع؟ أم تأكيدٌ  لدور لا نزال نُصِرُّ عليه في كلّ كلمة نكتُب، ورسمة نخطُّ، ومسرحٍ نُقيم؟ الجواب قد يكون عند جان جيرو نفسه، أو عند زوّار معرضه وقد لا يكونما يهمّنا أن ندعو الجمهور إلى التعرّف عن قرب على فن جان جيرو وفن الشرائط المصوّرة عن طريق أحد أبرز وجوهه في العالم
إبداع مُرَكَّب أم إنفصام
ولِفهمِ عالم جان جيرو -أو عوالمه لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الفنّان الذي لا تخلو موسوعة أو بحث عن الشرائط المصوّرة من الإستشهاد بنتاجه رائداً في مجالات عدّة، ينفرِدُ ربّما دون غيره بعدم محدوديّة تجاربه التي انتقلت من الشريط المصوّر إلى الرسم التصويري فالرسوم المتحرّكة والسينما إضافة إلى أنّه دون سواه أتاح لنفسه »الإختبار« في مجال تنويع أساليب الرّسم لديه إلى درجة أنّه وقّع نتاجه المتنوّع باسماء مُختلفة كان لها استقلاليّتها وشخصيّها المستقلّة تماماً فهو »جير« Gir في سلسلة »بلوبيري« Blue-Berry، الوسترن الذي تعاقب على كتابة السيناريو فيه كتّاب عدّة وإن بدأ معه و جان ميشال شارلييه Jean-Michel Charlier  وهو »موبيوس« Moebius في سلسلة الخيال العلمي و الشخصيّات التي ابتكرها وأشهرها »أرزاك« Arzach وجون ديفول John Disfool المغامر الفضائي اللازمني ويردُّ البعض ذلك إلى شخصيّة الفنّان المركّبة ، هو الذي لا يتوقّفُ عن تأكيد سلوكه الإختباري في الحياة نفسها متنقِّلاً بين دول عدّة ومُشبعاً بثقافات حضارات عدّة نقلته من التسامح المسيحي إلى العبثيّة فالبوذيّة لينتهي إلى مايعتبره اليوم فلسفته الخاصة القائمة على الإثارة الذاتيّة واستفزاز الغير»أسعى إلى إثارة الآخرين دون توقّف، أرغبُ في الإستفزاز على رغم أنني قد أندم في ما بعد تماماً كما كان يحصل مع أساتذتي في الجامعة هذا المنحى الانتحاري الغريب جزء من سلسلة أفعال أقوم بها ولا يمكنني تفسيرها أو تحليلها حدث ذلك معي عندما كنتُ أخدُمُ في الجيش في الجزائر- لا أطرح على نفسي أسئلة كثيرة باستمرار، لكنني أتوقّف بين الحين والآخر في عمليّة مُراجعة« وكأن جيرو يعيد في كلّ مرّة، ومع كلّ مشروع صياغة نفسه، وتالياً صياغة مفهومه للشريط المصوّر ولدور الفنّان وحدود عمله هو الذي انتقل من وسيلة تعبير إلى أخرى ومن عالم إلى آخر وإن بقي في الأساس رسّام شرائط مصوّرة بامتياز
وكأن هذه المسافة بين اليقين والشكّ، بين الوضوح والغموض بين الواقع والخيال هي التي تُحدِّدُ الفارِقَ بين أسلوبه الواقعي التقليدي في الوسترن، وأسلوبه الواقعي المبتكر في قصص عالم الخيال وربّما، وبكلّ بساطة، لأنّه  تعامل في الحال الأولى مع قصص أناس آخرين تقوم على واقعيّة السرد وبالتالي ضرورة وضوح الصورة، فيما كَسَرَ في الحال الثانية كل القيود وانطلق للتعبير عن عالمه الذاتي دون غيره والمُلفتُ أن جان جيرو استطاع في كلا الحالين أن يبتكر ويفرِضَ أسلوبه الذي جاء من بعده مقلّدون في هذا الإتّجاه أو ذاك إلى أن تحدّث بعض النقّاد عن كلّ أسلوب وكأنّه لفنان مختلف
يقول»عندما أبتكر شريطاً مصوّراً من دون مساعدة كاتب سيناريو، ألجأ إلى بناء كل قصّة في شكل منفصل، وأرسم كل مشهد في شكل منفصل عن الآخر أمّا من ناحية تقطيع الصور والمشاهد المرسومة، فالإرتجال قاعدتي المفضّلة على رُغم أنني أتساءل أحياناً عمّا إذا كنتُ واضحاً في الرسالة التي أودُّ تمريرها للقارىء أتأرجحُ دائماً بين الرغبة في أن أبقى غامضاً بهدف إثارة صدمة نفسيّة لدى القارىء عن طريق حمله على السير في طريق متجانس ينتهي عادة إلى مشاهد لا تمتُّ إلى التجانس بشيء، وبين الرغبة في أن أكون مفهوماً، في أن أصلَ إلى الجمهور لدي الجانب الإحترافي الذي يولي القارىء أهميّة، فيما تأتي طبيعتي الأُخرى التي تحبُّ الغموض لتطغى على الأولى لذلك أسعى دائماً إلى المساومة أُطلقُ العنان لطبيعتي العبثيّة، وبعد الإنتهاء يأتي المحترف يُلملِمُ الأجزاء في سياقٍ متجانس - أليس في هذا شيء من »الكتابة الأوتوماتيكية« التي اعتمدها السورياليون في كتاباتهم؟ «
»جير«Gir  
الوسترن بالنسبة إلى »جير« هو عالم المغامرات المُفضّل، لم يشذّ عنه سوى للإشتراك مع ستان لي Stan Lee الأميركي لإعادة كتابة ورسم قصّة أحد الأبطال الخارقين الأميركيين Silver Surfer -الإختبارات الجديدة لا يمكن مقاومتها عند جيرو وعلى رُغم أن هذا النّوع من الشرائط المصوّرة يقتضي من الرسّام بحثاً وتوثيقاً لإعادة خلق عالم رعاة البقر بتفاصيله، فإن »جير« أتاح لنفسه -وهنا يُشكر كاتب السيناريو لتركه رسّامه يعيد صياغة عالمه الخروج على البطل التقليدي ليقدِّمَ لنا شخصيّة البطلالمضاد anti-héros »بلوبيري«-الذي لم يفهم أحد إلى الآن لماذا كان في جيش الخيّالة الأميركي يفعلُ كلُّ ما يُعاكس النظام العسكري إلى درجة يبدو فيها للقارىء وكأنه جنديٌّ رُغماً عنه يسعى جاهداً ليقيله رؤساؤه من الخدمة والمُلفتُ أن أهمّ القصص التي صدرت من السلسلة تلك التي لا إشارة فيها للحياة العسكريّة، والتي يفشلُ فيها البطل في كلّ المهمات التي توكلُ إليه وتنتهي لمصلحة الآخرين هذا إلى الشخصيّات الثانويّة التي ترافقه والتي تتسم جميعهابالهامشيّة ويمكن تشبيه كتب »بلوبيري« بمسلسلات التلفزيون التي قد تستمرّ إلى مالانهاية، ويتوقفُ استمرارها على رغبة الرسّام في متابعة العمل وهو مايفعلُه »جير« منذ عشرات السنين ربّمالأنه لا يزال يجدُ في هذا العالم حافزاً على الإبتكار التقني، أو لرغبة في التعبير عن حُلُم طفولة لا يزال يراودُه
وإذا كان »بلوبيري« من أوائل شرائط الوسترن المصوّرة، فهو من دون شكّ محطّة بارزة في تاريخ هذا الفنّ على المستوى التقني، فيه ابتكر »جير« أسلوب التداخُل في الرسم بين الفرشاةالتي كان استعمالها أساساً للشريط المصوّر، والريشة لإعطاء البعد الثالث في الرسم وأدخل »جير« أيضاً للمرة الأولى ضربات الريشة الحادة للتظليل بطريقة باتت تُردُّ إليه وسار عليها الكثير من فناني »الموجة الحديثة« أمثال أنكي بلال Enki Bilal وماكوMaco وسوليه Solé وغيرهم كما بدأ معه الإهتمام باللون عنصراً جمالياً يدخل في أساس عمليّة التأليف والإبداع وأَوْلى »جير« طوال حياته المهنيّة اللون إهتماماً خاصاً، فكان يشترطُ التلوين بنفسه أو يتعامل مع ملوّن يختاره بدل ترك هذه العمليّة للاستوديوهات أو المحترفات التابعة لدور النشر وربّما كان هذا المفهوم في التعاطي مع الشريط المصوّر فنّاً تعبيريّاً متكاملاً وليس وسيلة ترفيه في أساس انطلاق الموجة الحديثة في السبعينات والتي كرّست للشريط المصوّر مكانته بين الفنون وبات يُعرَفُ بالفن التاسع
»موبيوس« Moebius  
وإذا كان »بلوبيري« أتى بتقنيّات رسم متجدّدة في عالم الشريط المصوّر وإدخل اليه الإفادة القصوى من العناصر السينمائيّة ، فإنّه بقي في الشكل العام مكمّلاً لما سبقه، إلى أن ظهر »موبيوس« وعالمه الخيالي الذي أطلق ما يُعرفُ اليوم بالشريط المصوّر الفنّي للراشدين، والذي يقوم على التداعيات الذاتيّة للمؤلّف »موبيوس« هو رؤية ومفهوم أكثر منه شكلاً هو طريقة خاصّة في فهم العالم ورؤيته أكثر منه محاولة لنقله وتصويره وهنا الأفق الجديد الذي خطّه جان جيرو بين معاصريه وفتح الطريق أمام الفنّانين الشباب إلى الإنخراط في الشرائط المصوّرة تاركين تدرّجهم الأساسي سواء في الفن التشكيلي أو السينماأو الرسم التصويري ولا بدّ من الإشارة هنا إلى تأثير بوريس فيان Boris Vian على الفنّان الشاب ودخوله عالم الشعر والرومانسيّة والسورياليّة الأمر الذي أتاح لـ»موبيوس« ولمقلّديه في ما بعد، إلى الغوص في أعماق هواجسهم وهواماتهم الشخصيّة وإسقاطها على أوراقهم وأدّى ذلك إلى خروج نهائي على التأليف التقليدي، والتأطير الزمني المتسلسل،  وابتكار أساليب تُلبّي التعبير عن البعد الآخر وكان الطلاق بين عالم ميكي ماوس الطفولي، وبين العالم المضطرب العنيف والدرامي الذي وضع »موبيوس« مدماكه الأوّل وارتقى الرسم إلى الخط الصافي بالريشة، إلى حدّ امتلاك عمليّة تلخيص كلّ العمل الإبداعي التصويري، بعدما باتت الغاية الأساسيّة الإثارة البصريّة والصدمة العفويّة التي تعطيها للمتلقّي ولأن عالمه أصبح مقتصراً على التعبير الفنّي، كان »موبيوس« البادىء في إلغاء التدخُّل الطباعي بين مرحلة الرسم والتلوين وباتت العمليّة الإبداعيّة تبدأ على الورقة وتنتهي بهامع إعطاء اللون مكانته الأساسيّة في التظليل وخلق البعد الثالث هذه التقنيّة التلوينيّة التي دفعها من بعده جاك تاردي Jacques Tardi إلى نهاياتها
»بانوراما الخيال«
وأثار »موبيوس« دهشة في الأوساط الفنّية والإعلاميّة حين نشر للمرّة الأولى رباعيّة »أرزاك« Arzach التي توالت صوراً بصريّة على مدى عشرات الصفحات من دون حوار وتوالت الإصدارات تحت إسم »موبيوس« »رجل الصحراء« L'homme du désert حيثُ غاب الديكور أمام المدى الصحراوي الخارج عن الزمان، ليؤكّد »أن رجل الرؤى السحريّة لا يرتاح إلى الطبيعة النضرة التي تُميّز الأرياف أو إلى السهرات الهادئة حول الموقد«»الإنحراف« La deviation -الموقّعة من »جير« بغرابة الذي يعتبر من أبرز محطّات »موبيوس» الفنّية، وحيث لم يتردّد المؤلّف عن إدخال نفسه برفقة زوجته وابنته في مغامرة خياليّة فتحت الطريق أمام الروايات الذاتيّة في الشريط المصوّر »الكابوس الأبيض« Cauchemar Blanc التي كان يُمكن أن يوقّعها بإسم ثالث لدرجة اختلافها شكلاً ومضموناً عن سياق أسلوبه العام، شهد فيه بدقّة شبه صحفية على »فاشيّة« الطبقة الوسطى الفرنسيّة أو كما يسمّيهم »الناس الشرفاء« الذين يهاجمهم عن طريق النقد اللاذع يقول »مايزعجني هو العنصريّة مقترنة بالغباء أي موقف عنصري هو في ذاته موقف غبي لكن الأسوأ هو عنصريّة »الناس الشرفاء« الأغبياء كونها تتّسم بالخُبث الذي يؤذي بهدوئه وابتسامته« غمزٌ من قناة السياسة أم دخول في مُعتركها؟ يقول »»يصعُبُ عليّ الحديث عن السياسة لأنني دائماً مشدود بين مواقف مختلفةالسياسة ليست موضوعاً للمناقشة في الصالونات، وإنّما ممارسة على الأرض، وهناك أشخاص هذا هو عملهم- بالنسبة إليّ مبدعاً، وإن كنتُ أنتمي إلى ما يسمّى اليسار، فإن دوري أن أكون موجوداً لأقول لعشّاق الحرّية والتغيير عن طريق شرائطي المصوّرة »أنا معكم، وأحبُّكم««
وكرّت السبّحة، وأفلت »موبيوس« تباعاً عوالمه التي آنتقلت من مجال تعبيري إلى آخر لا يُحدّ منها سوى مزاج الفنّان مدفوعاً كما يقول بـ»غرزيتي الإنتحاريّة« وبدأ مع كلّ عمل جديد يضيفُ حجراً إلى عالمه الخيالي الذي ميّزه بين مُعاصريه وبات محطّ أنظار العاملين في مختلف الميادين الفنّية من المتاحف وصالت العرض وصولاً إلى الإعلاميين والسينمائيين سواء في أوروبا أو أميركا واليابان وانتقل »موبيوس« من كونه ظاهرة محض فرنسيّة إلى رمز فنّي أوروبي فعالمي
يقول»عندما أرسمُ لنفسي وليس للجمهور، فأنني أرسمُ بالغريزة موبيوس لكنني أعي اليوم أنني شخصيّة مركّبة، لا يمكنني أن أكتفي بوسيلة تعبير أو بأسلوب واحد وأتفاجأ كيف أن بعض الفنّانين -إذا لم أقُل غالبيّتهم يقفون عند أسلوب واحد ووسيلة تعبير واحدة تكفيهم ولا يُحاولون الخروج إلى عوالم الفنون اللامحدودة يدهشني كيف يتقوقعون في الإكتفاء كلّ رسام لديه أسلوب، نقطة وانتهى نادراً ما يسعى أحدهم إلى البحث عن طُرقٍ أُخرى يكتشفها من يُريدُ يستطيع المغامرة، فلا عُذر مقبولاًللكسالى أو للسلبيين«
أتراه هاجس الإكتشاف الدائم لدى جان جيرو الذي يدفعه باستمرار إلى المغامرة في كلّ جديد؟ربّما كان ذلك في أساس استمراره في إدهاش جمهوره والمحترفين على السواء وربّما هنا يكمُنُ سرّ استمراريّة الفنّان وحضوره المميّز بين مُعاصريه حتى الشباب المحدّثين منهُم
»أبحثُ في استمرار عن شيء ما في داخلي لا أزال أجهل ما هو حين أنطلقُ في مغامرة أترك المجال لتناقضاتي لتسيّرني، واعتقد أن التجانس نابعٌ من هنا« هذا هو جان جيرو، »جير« أو »موبيوس«، أو بعضاً منههذا البعض الذي يتيحه لنا جيرو اليوم على جدران صالة عرض في بيروت وهنا لا بدّ من تحيّة إلى منظّمة المعرض السيّدة نادين بكداش التي أرادت لـ»موبيوس« معرضاً مختلفاً ولزيارته أثراً يُضافُ إلى سجلّ هذه المدينةالرمز ها هو الشريط المصوّر عبر أحد أبرز رموزه العالميين معلّقٌ للمرّة الأولى عندنا في صالة عرض فنّية وليس على جدران مركز ثقافي أجنبي، فشكراً
جورج خوري -جــاد
»من هو؟«
وُلِدَ جان جيرو في أيار عام 1938 من ريمون وبولين جيرو اللذين انفصلا وهو في الرابعة من العمر -لا تزال مشاهد الخلافات العنيفة محفورة في ذاكرتي إلى اليوم، فأودِعَ عائلة جدّه في حيّ فقير للفلاحين في فونتونيه -أكره حياة الفلاّحين التي يسودها نظام بطريركي أحببتُ جدّي، أمّا جدّتي فكانت عشيقة للاعب بوكر مُحترف تعرّف على الشرائط المصوّرة منذ صغره عن طريق والده -والدي رجلٌ أسطوريربّما لأن والدتي كانت تُحرّضُني دائماً ضدّه، نشأت بيني وبينه علاقة حُبّ مخفيّة زادت من تقديري لهغادرت أمّه عام1954 إلى المكسيك حيثُ تزوّجت للمرّة الثانية، ولَحِقَ بها في السنة التالية -كنتُ أرغبُ في التعرُّف على والدي الجديد، وكانت النتيجة مُخيبة، تصوّر رجلاً يُصِرُّ على تنظيف أذنيه أربع مرّات في النهار كانت كارثة بالنسبة إليّ وأيضاً إلى والدتي في المكسيكتعرّف على حياة التشرُّد -إكتشفتُ في آن، الماريجوانا وموسيقى البوب والجنسفي 1957 عاد إلى فرنسا وبدأ يرسمُ لمنشورات عدّة، إلى أن استدعي إلى الجيش ونُقِلَ إلى الجزائر-لم أشارك في الحرب أمضيتُ الخدمة وأنا أرسمأذكر أنني أوشكتُ على خنق عريف في الجيش، لكن المسألة طويتبدأ مع جان ميشال شارلييه في 1961 أولى حلقات سلسلة »بلوبيري« -وآخر إصدار من هذه السلسلة في 1990 بعد أن انتقل للعيش في باريس في الوقت التي عادت والدته إلى فرنسا بعد طلاقها الثانيزيارة ثانية للمكسيك في 1965 -نهاية الحلم وبعدها إلى الولايات المتحدة، فعودة إلى باريس ومنها إلى الرّيف بعد عامين، حيث توقّف عن الشرب والتدخين وأصبح نباتياً مقترباً من الفلسفة البوذية تزوّج في 1967 من كلودين، واستمرّ في الرسم في مجلّة Pilote الظهور الأول لـ»موبيوس« في 1974 في مجلّة L'écho des Savannes مع »الكابوس الأبيض« تبعها بعد سنة »أرزاك« الكتابالصدمة في السنة نفسها تعرّف على ألكسندرو جودوروسكي وعمل معه على فيلم Dune وكانت بداية العلاقة مع السينما حيثُ صمّم اللباس لفيلم »Alien« لريدلي سكوت -٧٧٩١ ورسوم فيلم »Les Maîtres du Temps« 1978 و»Tron« لوالت ديزني 1980 من دون التخلّي عن انتاج الشرائط المصوّرة التي بدأ يوقّعها باسمي »جير« للوسترن و»موبيوس« للمغامرات الخياليّة »1980 Difool« 1980سلسلة »L'Incal« -ابتداء من1981 »Edena« 1982 في 1983 انتقل ومحترفه إلى تاهيتي، وبداية إنشاء المؤسسات التي تعنى بإصدار، توزيع، وتسويق نتاجه الفنّي الذي أصبح موزّعاً بين أوروبا وأميركا واليابان

Friday, September 30, 1994

I confess.... آن الأوان

I confess.... آن الأوان


آن الأوان

آن الأوان لنعترف أننا تخلّفنا
تخلّفنا عن الفهم والإدراك لفرطِ ما تقوقعنا
تخلّفنا عن فهم القضايا التي رافقتنا قبل الحرب وخلالها حنّطناها، وقدّسناها وحرّمنا المساس بها، فإذا بها زمن السلم ترحَلُ عنّا لتبحث عن حلول لها لم نستطع تقديمها
حرّيتنا طقوسيّة، كادّعاء كاهن الهيكل بامتلاك الحقيقة على عباده حرّية المميّز بين متساوين، حريّة الأوّل بين متساوين، حريّة من»خلقه الله وكسر القالب«فتخلّفنا عن فهمها كما يفهمها العالم اليوم معنىً آخر لا نُدركه
ديموقراطيتنا طقوسيّة، كديموقراطيّة الآلهة الأسطوريين ديموقراطيّة اقتسامُ الحصص بين الآلهة ديموقراطيّة تفوّق دين على آخر، وطائفة على أُخرى، وعشيرة على أخرى فتخلّفنا  عن استيعابها كما يستوعبها العالم اليوم مفهوماً نجهلُه
حقوقنا المدنيّة طقوسيّة، نواميس أهل الهيكل نوقدُ الأحياء لبقائهاحقوق شرعة المذاهب وشيوخ القبائل والمناطق فتخلّفنا عن المطالبة بها كما يسعى العالم اليوم سعياً يُريبنا معناه
ثقافتنا طقوسيّة، معتقدات مُنزَلة لا تقبلُ الجدل تحت طائلة التكفيررموزها أصنام نعبدُها وإلاّولائمَ وأوسمة تُكرّمُ »الأول« بين المتساويينفتخلّفنا عن إدراكها كما يُدركها العالم اليوم معنىً آخر نعجزُ عن فهمه
آن الأوان لنعترفَ أننا تخلّفنا
تخلّفنا عن استيعاب السلام في وقت أمعنّا في فهم قوانين الحروب
تخلّفنا عن إدراك معنى المدينة، ومعنى الشارع، ومعنى الإشارة، ومعنى الإتّصال تخلّفنا عن إدراك مفهوم المواطن، والعائلة، والمجتمع
تخلّفنا عن فهم التغيير في العالم، الذي حصل فيما كنّا منهمكين في تصفية الحسابات بين الآلهة تخلّفنا عن فهم التغيير، في عالم السياسة والتاريخ والجغرافيا واللغة والاقتصاد ووسائل الإتصالمفهومنا السياسي مُحنّط، مفهومنا الجغرافي مُحنّط، مفهومنا للتاريخ مُحنّط، مفهومنا للغة مُحنّط، مفهومنا للاقتصاد مُحنّط، ومفهومنا لوسائل الإتصال مُحنّط
بتنا نتّقنُ فنّ التحنيط
 تحنيط مدينتنا التي نريدها كما كانت قبل الحرب وما كانت عليه أوصلنا إلى الحرب نأسفُ لأن حُكّامنا ليسوا من طراز من سبقهُم قبل الحرب وما كان عليه هؤلاء أوصلنا إلى الحرب نُريدُ نظامنا »توزيعاً عادلاً« للحصص ومفهوم الحصص هو الذي أوصلنا إلى الحرب نُريد لشعاراتنا، وإيديولوجيّتنا أن تستمرّ بمنطقها ومقاييسها وهي التي كانت مراجعنا زمن الحرب
بتنا نتّقنُ فنّ التحنيط تحنيط المدينة والشخصيّة، والمعتقد تحنيط الطبيعة، والشارع والزاروب والبناية المهترئة لتبقى كلُّها رموزاً تُكتَبُ في كتاب الأموات الأزلي بُتنا حُرّاس الهيكل وزمن الميثولوجيا والأساطير ولّى  نُريد استحضار الماضي وليس التواصل معه نفتقدُ طائر الفينيق الذي »أعطى الأبجديّة للعالم« لكنّه كان أيضاً وهذا ما لا نُريدُ تذكّره كان يوئدُ الأطفال أحياء على مذبح الآلهة نفتقدُ زمن الفتوحات وننسى أن الممالك التي رافقتها أساءت إلى رعاياها بقدر أعدائها بتنا نحكُمُ على زمن النهضة بـ»التغريب«، وعلى »الحداثة« بالتجديف، والتطوّر المديني بـ»الاستعمار الجديد«، والتطوّر التكنولوجي بـ»الغزو الثقافي الجديد« ونزيد في انفصالنا عن العالم وفي تقوقعنا إلى حدّ الهذيان والهلوسة
بتنا نتّقنُ فنّ التحنيط
ونسينا أن المومياء لا تبني الجديد، وإلاّ بطُلت جيفة وباتت كائناً حيّاً
وكهنة الهيكل لا يبنون الجديد وإلاّ فقدت تعاليمهم معناها
وحُرّاس الهيكل لا يبنون الجديد وإلاّ فقدوا مُبرّر وجودهم
فكيفَ نكون مُبدِعين والإبداع ابتكار ونحنُ لم نعُد نبتكرُ غير فكرة الموت والحفاظ على مظاهره؟
كيفَ نكون مُبدِعين والإبداع إرادة تغيير ولم يعُد لدينا من الإرادة سوى الإبقاء على جسم   مُهترىء، عفنٍ، نخافُ دفنه لربّما كان إيذاناً لنهاية ما هو مهترىء وعفن فينا؟
كيفَ نكون مُبدِعين والإبداع حُلُمٌ بالمستقبل وحُلمنا الوحيد ماضٍ على قياس كلّ واحدٍ منّا، نرتاحُ إليه، يُطمئننا، يُبعدُنا عن الخوف والقلق من مُستقبلٍ لا نَفهم سرّه ولا نُدركُ أبعاده  أونستوعب متغيّراته؟
بيروت هيكل انهار فوق رؤوس أبنائه، بفعل أبنائه، وكهنته، وحرّاسهم
كهنته أو من بقي منهم مستمرّون في تعاليمهم ويتقاسمون بقاياه،
وحرّاسه أو من بقي منهم مستمرّون في الحفاظ على أطلاله ونواميسه المهترئة
أما ناسه أو من بقي منهم فما زالوا غير مصدّقين أن زمن الأساطير انتهى وأن عالماً جديداً لا يؤمن بالأساطير وآلهتها، أو بالهياكل وكهنتها، بدأ إعادة صياغة نفسه عالمٌ لغته لغة البشر، ومفاهيمه مفاهيم البشر، بدأ العدّ العكسي لولوج القرن المُقبِل بهمومه وتحدّياته الجديدة، بأحلامه وصراعاته اللامتناهية وبمساحته الضيّقة بفعل وسائل اتصاله الحديثة
هل نُغامر بإعادة صياغة أنفسنا فنتخلّى عن »التحنيط« ونُضيّقُ المسافة التي تخلّفنا بها عمّا سبقنا إليه الآخرون؟ هل يستحقُّ العالم الجديد المُغامرة من أجله؟

جورج خوري جـــاد


Thursday, February 3, 1994

German Comics الشرائط المصوَّرة الإلمانيّة


الشرائط المصوَّرة الإلمانيّة
في 1896 دَفَعَ نجاح ظهور »الفتى الأصفر« (The Yellow Kid) ، أوّل شريط مصوّر أميركي في صحيفة »نيويورك جورنال« التي يملُكُها جوزيف بوليتزر، منافسه وليم راندولف هيرست مالك صحيفة »نيويورك وورلد« إلى البحثِ عن ردٍّ ، فطَلَبَ من الرسّام الشاب رودولف ديركس الإلماني الأصل إبتكار شريط مصوّر شبيه بسلسلة »ماكس وموريتس« عن الولدين الشقيّين اللذين أطلَقَهما قبيل وفاته معلِّم فن الكاريكاتور الإلماني الرسّام ويلهلم بوش -1908 1832. ودأَبَ ديركس على تنفيذ تعاليم رئيسه وتحوّل »ماكس وموريتس« في 1897 إلى »فتيان كاتزنجامر«     (Katzenjammer Kids)الذين عُرِفوا في أوروبا باسم »بيم، بام، بوم«، الثلاثي الذي يُمكِنُ تسميتُه من دون مغالاة الشريط المصوّر الإلماني الأوّل.
والحقيقة أنّ فنّ الكاريكاتور في الجانب الآخر من الراين الذي عاش عصرَه الذهبي مطلَعَ القرن، لم يبدِ اهتماماً بتحويل القصص المصوّرة أوالـ»بيلدر غيشيشتن« إلى شرائط مصوّرة فعليّة، وبقي مُخلِصاً إلى طريقة عرضِه التقليديّة التي لم تتجاوز إطار الكاريكاتور السياسي-الإجتماعي. وإلى اليوم لا يزال هذا التقليد مستمرّاً عبر أسماء مشهورة عالميّاً مثل ماري ماركس، سيغفريد، كلودفيغ بوث وغيرهم، وهو ما يُفَسِّرُ ربّما غياب الشريط المصوّر المحلّي ونجاح شرائِط مصوّرة سياسيّة-إجتماعيّة مستورَدَة لرسّامين أمثال كلير بريتيشيه أو رايزر الفرنسيَّيْن. ولَم تتمكَّن الموجة الأميركيّة التي اجتاحَت أوروبا في الثلاثينات من اجتياز الراين، حيث كانت القوميّة-الإشتراكيّة تشيدُ بالقيَم العُليا للأمّة الألمانيّة وغيرَ مُستعدَّة  لفَتحِ حدودها أمام ثِمار ثقافةٍ أميركيّة-أنغلوساكسونيّة هي في نظرها نموذجاً للإنحطاط. والمُفارَقَة، أنّ هذا لم يمنَع الدكتور غوبلز الذي عُرِفَ عنه تفكيرُه العَمَلي، من تجميع كمّيات هائلة من الشرائط المصوّرة و الرسوم المتحرّكة من إصداراتوالت ديزني في مكاتِبَ وزارته المسؤولة عن الدعاية النازيّة، وإجبار رسّامين على دراستها رُغماً عنهم في إطار مشروع لتأسيس شريط مصوّر من »المانيا العُظمى« لَم يرَ النور بسبب اندلاع الحرب التي أوجدت أولويّات عسكريّة، والنقص الحادّ  والمتزايد في الورَق.
واقتضى الأمر إنتظار 1951 لتبدأ دار »إيهابا« وهي فِرْعٌ ألماني لمجموعة النشر الدانماركيّة غوتنبرغوس إصدار مجلّة »ميكي ماوس« الأولى المتخصّصة في مجال الشريط المصوّر -رئيسة تحريرها الكاتبة والمترجمة إيريكا فوشس المتخصّصة في تاريخ الفن وعلم الآثار في جامعات لوزان ولندن وميونيخ. ساهمت ترجمتها الألمانيّة لشخصيّات والت ديزني في النجاح الهائل للمجلّة منذ العدد الأوّل. تبِعَها في 1953 الكاتب والناشر الإلماني رولف كوكا -مواليد لايبتزيغ 1917 الذي استوحى من والت ديزني ليبني ثروته إنطلاقاً من ثعلبين ماكرين هما »فيكس وفوكسي« والكلب »لوبو« النسخة الإلمانيّة لـ»بلوتو« أحد أبطال الكرتون الأميركيالذي صدرت مجلّة باسمه. وليست هذه الخطوة هي ما ميَّزَ كوكا عن غيره فهو الأوّل الذي أدخَلَ إلى إلمانيا الشريط المصوّر الفرنسي-البلجيكي محاولاً ربط هذا الفنّ في إلمانيا بجيرانه الأوروبيين مستقلاًّ بذلك عن تقليد »الحليف الأميركي القوي«. وتعرَّفَ الجمهور الإلماني على شخصيات »لاكي لوك« و »سبيرو« و»غاستون« و»شترومف« وغيرها. ويعود إليه الفضل في إصدار نسخة إلمانيّة غريبة من مغامرات »أستيريكس وأوبيليكس« محوِّلاً الأبطال الغاليين الفرنسيين إلى أبطال غوط من الشرق يحاربون الغزاة الغوط الغربيين وليس الرومان-كان غوبلز قدّر هذا العمل في أيّامه. وأوقف غوسيني مؤلّف قصص »أستيريكس وأوبيليكس« السلسلة إحتجاجاً لسنتين إلى أن عادت دار »إيهابا« تصدرها من جديد وتحقِّقَ أرقاماً خياليّة في المبيعات بقيت ظاهرة لا تتكرّر بالنسبة إلى الشريط المصوّر في بلاد الغوط -باعت الدار 1,2مليون نسخة من آخر ألبوم مغامرات»أستيريكس«. وبقيت تجربة رولف كوكا فريدة من نوعها في تاريخ الشريط المصوّر الإلماني خصوصاً بعدما اضطرّ إلى بيع دار النشر التى يملُك في 1973 وآثرَ تأسيس أكاديميّة باسمه لتدريب فنّانين وكتّاب على رسم وابتكار شرائط مصوّرة. له في إنتاج الرسوم المتحرّكة السينمائيّة »توم وبايبر« و»البارون مونتشهاوزن«.
وأصدرت»إيهابا«، إلى مغامرات »أستيريكس«،  سلسلة مغامرات »وسترن« -لكن أوروبيّة هذه المرّة ضمَّت شخصيّات »بلوبيري« و»جوناثان كارتلاند« و»كومانش« و»ماكّوي« أتبعَتهُ بسلسلة أخرى جمَعَت شخصيّات فكاهيّة مثل »إزنوغود« و»أشيل تالون« من الشخصيّات الكلاسيكيّة في عالم الشريط المصوّر الأوروبي. وتقاسمت »إيهابا« سوق الشريط المصوّر الإلماني وثلاث دور نشر كبيرة هي بابل فيرلاغ -دار كوكا السابقة، وباشتاي -بين إصداراتها »إيبس« المجلّة المشهورة التي تُعتَبَرُ النسخة الإلمانيّة لمجلّة »بيف غادجيت« الفرنسيّة،وكوندور التي تنشُرُ شخصيّات دار »مارفيل كوميكس« الأميركيّة.وفي 1952 حاولت دار كاسترمان للنشر إدخال ألبومات »تان تان وميلو« إلى السوق الإلمانيّة، لكن التجربة كانت غير مُشجِّعَة وتوقّفَت في 1961 بعد إصدار 13ألبوماً. وأعادت دار كارلسن الدانماركيّة في 1967 التجربة نفسها بنجاح ساعد فيه إسم الدار الذي يسيطر على كثير من المكتبات والترجمة الجيّدة التي حوّلت إسم مغامرات الصحافي الشاب وكلبه الأبيض الصغير إلى »تيم وشتروبّي«. ولدار كارلسن اليوم أكثر من 250 ألبوماً تجعلُ منها الأكبر في هذا المجال، خصوصاً أنّها أطلَقَت الشريط المصوّر للراشدين عن طريق مغامرات لرسّامين مشهورين فرنسيين وإيطاليين أمثال هوغو برات وتاردي ... والمنافس الرئيسي لـكارلسن في سوق الراشدين منشورات »فولكسفيرلاغ« أسسها ريموند مارتن في 1973  مُستعيناً بألبومات ضمّت إنتاج حركة الشريط المصوّر الأميركي الهامشي المعروفة باسم»أندرغراوند« ومستوحياً النموذج الفرنسي لإصدار مجلّتي »شفيرميتال« -نسخة إلمانية من مجلّة »ميتال هورلان« و»يوكوميكس« التي ضمّت الرسّامين الساخرين الذين ساهموا في شهرة »ميتال هورلان« الفرنسيّة إلى بعض شرائط مصوّرة من مجلّة »فلويد غلاسيال«. ونشرت »فولكسفيرلاغ« إلى اليوم أكثر من مئة ألبوم للراشدين،وهي تستمرُّ في إصدار المزيد على رغم الأشاعات المتكرّرة بقُربِ إفلاسِها .
ولا يُمكنُ الحديث عن الشريط المصوّر الإلماني من دون ذكر التجربة الفريدةالتي شَغَلَت السبعينات، وهي إصدار مجلّة »تساك« عن عملاق الصحافة أكسيل سبرينغر، التي استهدَفَت جمهوراً مماثلاً لمجلّة »تان تان« مستخدمة قصصاً من داري »دارغو« الفرنسيّة و»لومبار« البلجيكيّة، وبدأت بحملة إعلاميّة موازنتها 10 ملايين مارك إلماني وإصدار 440 ألف نسخة للعدد الواحد. وجديد التجربة أن »تساك« إرتأت بَدَل شراء حقوق النشر لدى دور النشر الفرنسيّة والبلجيكيّة التعامُل مباشرة مع الرسّامين، وهكذا تحوّل جيجي ووينبرغ وهرمان وجيرو وغيرهم إلى رسّامين إلمان. وتمكّنت »تساك« من تجاوز الحدود الإلمانيّة فصدرت باسم »وام« في هولندا و»سوبر أس« في فرنسا وبلجيكا،ووصلت إلى أسواق كندا والدول الاسكندينافيّة. وأيّاً كان إسمها فانها حافظت على عد صفحاتها الـ ـ48 وبينها 32 صفحة مشتركة لكلّ الطبعات و16صفحة مختلفة بحسب بلد الإصدار. لكن هذه المغامرة المجنونة عرفت مصير كلّ الأمبراطوريّات وانتهت في ٠٨٩١بشكل مفاجىء.
والسؤال في كلّ ذلك أين الإنتاج المحلّي في عالم الشريط المصوّر الإلماني؟على رغم أنّه لا يُمكن القول أنّه غير موجود، فلا يُمكن الحديث في المُقابل عن حركة لهذا الإنتاج. الرسّام الوحيد المُكرَّس على الصعيد الفيديرالي والخارجي هو ديتر كالنباخ الذي ابتكر لـ»تساك« سلسلة »توري وتوك«. وحاولت دار »بيكر أند كنيغه«  في ١٨٩١ أن تجمَعَ في  صفحات مجلّتها »كوميكسينه« خمسة رسّامين ألمان وسويسريين-ألمان هم ماتياس شولتايس وميكاييل هاو وإدغار برونس وكريستوف روس وهوندو. لكن هذه التجربة التي لاقت ترحيباً من قبل الجمهور توقّفت لأسباب ماليّة. وتتجرّأ مجلاّت دوريّة على نشر نتاج رسّامين محلّيين مثل مجلّة »بلاندر«، لكن هذه المجلاّت لا تفسح في المجال أمام الرسّامين الشباب ـوهم موجودون- باكتساب الخبرة التي يحتاجون إليها. يبقى انتظار دار نشر مثل كارلسن مثلاً ليُقرِّرَ يوماً النفتاح على الرسّامين المحلّيين على رُغم أن نشر انتاج الرسّامين الأجانب عن طريق شراء الحقوق أوفر وفرص نجاحه أكبر.
إذا نظرنا إلى السينما الألمانيّة التي كانت غير موجودة تقريباً في الخمسينات ومدى قوّة حضورها اليوم، يُمكن للمرء أن يَحلَمَ أن الشريط المصوّر الألماني قد يتّخذ المسار نفسَهُ ويأتي يوم يُعطي نفحاً جديداً للإبداع الأوروبي في هذا المجال لمجرّد الاختلاف في الأسس الثقافيّة وطرق التفكير والعادات عن بقية أوروبا. يبقى أن الإنطلاق البطيء والمتأخِّر من سمات المناخ الإلماني سواء في مجالات الموسيقى الحديثة أو السينما أو أي شكل آخر من الثقافة الشعبيّة. لكن سمة أخرى تُميّز هذا المناخ وهي أنّه في كلّ مرّة تنطلقُ حركة ما، فإنّها تتّسِمُ بأهمّية أكبر في ألمانيا منها في أيّ مكان آخر. وليس من سبب يجعلُ الشريط المصوّر الإستثناء الوحيد لهذه القاعدة.
جورج خوري-جــــاد