Monday, November 22, 2010
مهرجان لوكـــا - النهـــار 22 تشرين الثاني 2010
"دينوطوبيا" تنافس سوبرمان، والحالم يجاور الفوضوي
"لوكا" تخطُفُ الوافد إليها إلى شوارعها وناسها المتنكّرين شخصيّات من الشرائط المصوّرة وأبطال ألعاب الفيديو وأفلام الرسوم المتحرّكة. سهلٌ الوقوع في فخّ بهرجاتها البصريّة وصخب أزقّتها وجمال ناسها. تكفي زيارة سورها القديم الذي مازال على حاله منذ تشييده، وتسلّق أبراجها وعبور أبوابها لتنتقل إلى زمن آخر مع ما يرافق ذلك من حضور لناس في أزياء عصورها الغابرة. لكن "لوكا" ليست حدثاً شعبويّاً وسياحيّاً واحتفاليّاً فحسب (يُصادفُ المهرجان موعد عيد جميع القدّيسين في إيطاليا). إلى داخل مبانيها التراثيّة والتابعة للأدارات الرسميّة تنسحب الأجواء الأكثر رصانة، المفتوحة أمام المحترفين والجمهور المتابع مسار الشريط المصوّر للتعرّف إلى مآله.
في القاعات التاريخيّة تنتشر المعارض المتخصّصة وتتوزّع. وفي غُرفِها تقام الندوات والطاولات المستديرة وحلقات النقاش. وكأن القيّمين على المهرجان يتبنّون منطق أعطِ ما للناس للناس وما للمحترِف للمحترِف (عفواً من التأويل). هناك المعارض الرسميّة التي يُراد منها إما إستعادة ذاكرة مشتركة، أو التعرُّف عن قرب على عوالم كبار فنّاني الشريط المصوّر بتقنيّاتهم الخاصّة وأساليب عملهم ومساهماتهم في المجال. بعضُها الآخر للإضاءة على "فنون الأطراف" والمقصود هنا الأنتاجات خارج السوق العالميّة (الغربيّة أو اليابانيّة تحديداً). والعرض اللبناني جاء في هذا السياق. وللإطلالات الشابة مكانها عن طريق معارض مشتركة بحسب مواضيع أو تجارب جديدة يُمكن أن تؤشّر إلى الإتجاهات المقبلة للفن التاسع.
ماسيميليانو فريتزاتو Massimiliano Frezzato (مواليد تورينو-إيطاليا 1967) مصمّم ملصق المهرجان هو الوجه الشاب الذي ارتأى منظمو المهرجان تكريمه بمعرض أوّل شامل لأعماله وإن غير كثيرة وإنما بالتأكيد مميّزة. وكأنهم أرادوا التأكيد مرّة أخرى أن الإبداع البصري أساس ويتقدّم على النصّ المرافق. وإن كان "فريتزاتو" كما يوقّع أعماله بدأ الرسم باكراً فنان أغلفة وقصص أطفال، فإنّه لَفَتَ النقّاد منذ ألبومه الأول الذي خطّه بالتعاون مع كاتب السيناريو الفرنسي جيروم شارين "مارغو في بادتاون" عن دار "كاسترمان" عام 1990. ليتبعها بالسلسلة التي ارتبط إسمه بها وقادته إلى الشهرة العالميّة بعدما تُرجمت إلى لغات عدّة "حافظو الماسير" (I Custodi del Maser) تعاون فيها لاحقاً مع نيكيتا مندريكا كاتباً للسيناريو، هو الأسم اللامع الآخر في عالم الشريط المصوّر.
عالم فريتزاتو مليء بالسحر وأجوائه، شخصيّاته الخياليّة تراوح بين كاريكاتوريّة المانغا وأسلبة رسامي الأيروتيك البارزين أمثال ميلو منارا. لكن الأسلوب العام يُذكّرُ كثيرا بـريجيس لوازال (Régis Loisel) وأبطاله. وإذا كان فريتزاتو لا ينفي مصادر تأثّره فإنه بدون شكّ خَلَق لنفسه أسلوباً وطريقة عمل باتت تميّزه عن أبناء جيله. مُحترف، يُتقنُ صنعته ويعشقها، وإن كانت جدّية أسلوبه تناقض شخصه الفوضوي والهامشي إلى حدّ الشكّ في أن يكون وراء أعماله. "حين أرسم أُصبح شخصاً آخر، وعندما أنتهي أنظر إلى عملي وأتساءل إذا كنت أنا من صنع ما أراه. أتفاجأ، أفرح كثيراً فأعود إلى الموسيقى والخمر" كما أسرّ لي خلال لقائي الوجيز معه.
جايمس غورني James Gurney (مواليد كاليفورنيا 1958) الخيالي الآخر الذي أنفرَدَت أكثر من قاعة لاحتواء عالمه المسمى "دينوطوبيا". يأخذ غورني القارئ-المتفرّج (كما يرغب في التأكيد)، البالغ أو الطفل سواء، إلى العالم السحري لجزيرة "دينوطوبيا" المفقودة. عالم من الخيال والفن والعلم والأكتشاف والأبتكار تعيشُ فيه الديناصورات بسلام ووئام مع بني البشر. بروحيّة مغامرات "غوليفر" أو رحلات "ماركو بولو"، تروي لنا صفحات "الرحلة إلى تشاندارا" مغامرات المستكشف أرثر دينيسون والديناصور "بيكس" في العالم الساحر للجزيرة المفقودة. ساحرٌ بالفعل عالمه البصري ودقيق إلى أبعد التفاصيل المتخيّلة هندسة وأزياء وشخصيّات وحيوانات وديكورات. وليس بغريب تمكّنه من خَلقِ عالم تفصيلي إنطلاقاً من خطّ وورقة بيضاء هو الذي بدأ شبابه دارساً علوم الآثار في جامعة بركلي قبل أن ينتقل لدراسة الفنون في كليّة الفنون والتصميم في باسادينا. وربّما هذا ما ساعده على أن يكون رساماً معتمداً لدى مجلة "ناشونال جيوغرافيك" حين يتناول الموضوع إعادة تصوير معارك تاريخيّة أو معالم أثريّة لم يبق منها سوى أوصاف لها.
رسومه مفرطة في الواقعيّة. باهرة الألوان ومكتظّة بالتفاصيل. والمدهش أنّه يستخدم تقنيّة الرسم بالألوان الزيتيّة على أقمشة لوحات لا يتجاوز بعضها قياس كتاب عادي. ساحرٌ بصري لا يمكنُ المرور بأعماله دون التوقّف إعجاباً بتقنيّاته. وإذا كان الشريط المصوّر فنّاً يقوم على تجميل الأصل المرسوم وإخفاء بعض عيوبه في مراحل الطباعة، فإن فنّ جايمس غورني لا يُعطى حقّه مطبوعاً. سؤال راودني دائماً لدى مقارنة اللوحات الفنيّة الأصليّة بما كنّا نعرفه عنها من خلال الصور في الكتب. وهنا يتفوّق غورني معرضاً على رسومه المطبوعة.
غاري فرانك Garry Frank (بريستول-بريطانيا 1969) وتسليط للضوء على مهنة خاصة بالشرائط المصوّرة وفن التحريك هي الـ Penciller (الرسم قبل التحبير والتلوين). إسمٌ لامعٌ آخر لكن هذه المرّة من عالم الأبطال الخارقين لـ DC Comics وتحديداً "سوبرمان" و"باتمان" الرجل الوطواط. ويُعتبر فرانك من جيل المجدّدين في رسم المغامرات المستمرّة للرجل الخارق، خصوصاً السلسلة التي تلاقي رواجاً واسعاً أدهش الناشر نفسه وهي الآن في عددها السادس "سوبرمان: سرّ البداية". مُلفِتةٌ عودة اهتمام جمهور الشريط المصوّر الأوروبي ومحترفيه بالأبطال الخارقين، خصوصاً أنهم من قارة أخرى ومنبعٍ ثقافي مغاير. البعصُ يضعها في خانة العودة إلى البدايات ونوستالجيا العصر الذهبي، لكن من دون شكّ أن النسخة الحديثة من هذه الأبطال لا تترك مجالاً للامبالاة المتفرّج لوصول تقنيّاتها وأشكالها إلى ذروة الأتقان والمبالغة الأناتوميّة خصوصاً عند فرانك وجيله.
قريب من رسوم تشريح ليوناردو دافينشي هو سوبرمان غاري فرانك. عضلات جسده تقارب الكمال وحركات جسده تحاكي راقصي الباليه قدرة على تطويع الجسد. والفرادة عند فرانك نجاحه في إبقاء شخصيّاته مؤنسنة ومقنعة في حقيقتها وهنا ربّما سرّ نجاحه وتقدّمه على الباقين. وللتأكيد على أهميّة رسومه وتشريحها عَمَدَ منظمو المعرض على تكبير رسومه بالرصاص إلى جانب الرسم الأصلي المعلّق أيضاً جنباً إلى جنب الرسم بعد "تحبيره" وتلوينه. ربّما للدلالة على أن قصص أبطال خارقين مثل "سوبرمان" و"باتمان" المعروفة بسطحيّة سردها الروائي تستنفد كل هذا العمل الشاق والجاد والمضني، وتستدعي هي أيضاً فنانين محترفين لا يقلّون إبداعاً عم غيرهم.
جياني دي كونّو Gianni De Conno (ميلانو-إيطاليا) وجه آخر من معالم فنّ الرسم Illustration))لكن من خارج عالم الفن التاسع. أهمّيته إلى جانب فنّه تأثيره على جيل كامل من رسّامي الشريط المصوّر الشباب الأيطاليين أسلوباً و"تحرّراً" من النمط التقليدي والكلاسيكي في ما بات يُعرَفُ لاحقاً بـ"مدرسة ميلانو" في فن التصوير. إنتاجه تخطّى الحدود الأيطاليّة إلى دور نشر عالميّة، وربّما هو الإسم الأيطالي الأكثر انتشاراً في القارات الأربع (تكفي مراجعة المعارض والجوائز التي حاز عليها للدلالة على ذلك). وإن كانت مصادره البصريّة بين الفنّ الساذج و التعبيريّة الألمانيّة، فأن دي كونّو أوجد لنفسه مكاناً في عالم الرسم والتصوير خصوصاً في مجال رسوم كتب الأطفال حيث أحدث انقلاباً في المفاهيم البصريّة التي تتناول هذا المجال.
خاصٌّ جدّاً هو دي كونّو وذاتي التعبير كأنه يرسم ما يحلم به هو. أشكال لا يمكن أن تمرّ إلا بمخيّلته هو، وألوان لا يُمكن إلاّ أن تخرج من ريشته. مجرّد المرور بمعرضه و التمعّن برسومه ولوحاته حتى ينقشع بوضوح إلى أي حدّ هو مصدر لكثيرين غيره اعتبرناهم مجدّدين ومحدّثين في عالم الرسم. وجوه ناسه، ألوان خلفيّاته، أشكال خيالاته كلّها تشكّل عالماً لا يُخبرُ قصة بالضرورة وإنّما أحلاماً وهوامات.ومن هنا ربّما اعتبر عن حقّ صاحب مدرسة في هذا المجال، وهذا ما يُبرّر أيضاً للمهرجان استقدام معرض من خارج "الحرفة".
في أحد مقاهي "لوكا" في وسط ساحة سان ميكيل، توقّف نظري مراراً على الكنيسة-الكاتدرائيّة االتي تطغى هندستها على كل ما يحيطُ بها، وبدت الخيَم المنصوبة وحولها الناس المتنكّرين أبطال قصص وروايات من الخيال وكأنها مخيّم لمقاتلين اجتاحوا أسوار المدينة. هناك في واجهة الكنيسة سبعون من العواميد الرخاميّة موزعة على أربع طبقات لا يشبه أي منها الآخر زخرفة ولوناً ونقشاً. مشهد يختصر ربّما مهرجان "لوكا" بما يتضمّنه من تنوّع يصل إلى حدّ التناقض الحادّ.
مشهدٌ فيه شيء من الألفة لمن جاء من بلاد التناقض فيها هو ما تمتاز به.
هناك، في "لوكا"، أحسستُ أني في دياري!
جورج خوري (جـاد)
Posted by
J A D
Labels:
A N - N A H A R,
T E X T
مهرجان لوكــا النهـــار الثلثاء 16 تشرين الثاني 2010
لبنان نزل ضيفاً على مهرجان "لوكا" الدولي للشريط المصوّر
مدينة تعيد صياغة نفسها عاصمة للفن التاسع
غريب شعور العائد بعد أكثر من عقدين إلى "لوكا" المدينة التوسكانيّة التي تستضيف منذ أربع وأربعين عاماً مهرجاناً دوليّاً للشريط المصوّر. إدارة المهرجان تغيّرت (القانون الطبيعي للتطوّر في غير بلادنا) لتنتقل إلى جيل جديد من الشباب المتخصّص في المجال بعدما كانت من مجموعة متحمّسين-متطوّعين أطلقت أقدم تظاهرة لهذا الفن في أوروبا (ثاني أكبر مهرجان بعد أنغولام الفرنسيّة). "خِيَمُها" التي تستضيف الناشرين المحلّيين والدوليّين تحتلُّ ساحاتها الست وتصلُ لكثرة عددها إلى أزقّتها الضيّقة و إلى خارج أسوارها وكأنها تفيض بها بعدما كانت ساحتا بيازا ديلا سيتاديلا و بيازا سان ميكيل تعرضان وحدهما وبخجل أسماء فنانين مغمورين وإيطاليين حُكراً هم اليوم أيقونات عالميّة في الفن التاسع من أمثال هوغو برات الذي غادرنا حديثاً أو ميلو منارا وغيرهما.
وإذا كانت المدينة الصغيرة لم تتغيّر، وهي تعود في غالبها إلى القرون الوسطى وبعض طرقها المرصوفة إلى أيام الأمبراطوريّة الرومانيّة الغابرة (تعبير "ذو طابع تراثي" يؤخذ بجدّية مفرطة هناك)، فإن زوّارها الذين "يجتاحونها" للمناسبة في ازدياد متصاعد (135 ألف زائر في أربعة أيام هم عدد الذين اشتروا بطاقات الدخول إلى خِيَمها ومعارضها يضاف إليهم دفق الشباب الوافدين لأحتفاليات أخرى ترافق التظاهرة). واللافت أن الأخيرين،وهم بالآلاف أيضاً، يأتون إلى "لوكا" للمشاركة في عروض شارع لأختيار أفضل زيّ مستوحى من الشخصيّات الكرتونيّة أو "المانغا" اليابانيّة (وهي تستهوي الشباب أكثر من غيرها لغرابتها) أو من أبطال ألعاب الفيديو الألكترونية، السوق الصاعدة في مجال الفنون البصريّة الحديثة والتي يُخصّص المهرجان جوائز لها منذ عقد ونيف تقريباً. بحرٌ من الشباب والشخصيّات مُتقنة التزيين لقصص كأنها هربت من صفحات كتبها لتتحرّر من ضيق خيال مؤلّفيها!
أربعة أيام لا تكفي المُحتَرِف والمتابع للأحاطة بكل جديد في مختلف المجالات التي تنضوي تحت شعار "مهرجان لوكا الدولي للشريط المصوّر وفنون التحريك والألعاب الألكترونيّة". الأختيار يُصبح واجباً والأنتقاء فَرضاً وجدولة الأوقات تتحوّل كابوساً أشبه بمهمّة مدرسيّة إذا قصد المرء مواكبة واكتشاف الجديد في مجال اختصاصه، مثله (في حالتي)، محاولة التعرّف على مطبخها المحلّي المتنوّع والخاص، أو أنواع النبيذ التي تشتهر بها منطقة توسكاني، ويعرفها الذوَاقة المحترفون (لكن هذا موضوع آخر).
يبقى الشريط المصوّر النواة الأساسيّة للمهرجان، وإن كان فن التحريك أضيف إليه منذ خمس. كذلك القسم الخاص بالألعاب. والمقصود هنا كل أنواع اللعب من الورق إلى الألكترونيات مع آخر إصداراتها ولا يضاهيه حجماً إلا مهرجان مماثل للألعاب في ألمانيا. ولكلّ مريد تلبية لحاجته. معارض متخصّصة لمحترفي هذا النوع من الفنون، كُتُب وناشرون لمتذوقي ومتابعي هذا الأنتاج الذي بحسب إحصاءات بات يفوق الأنتاجات الأدبية المكتوبة مجتمعة، إلى الحضور الشخصي لفنّانين يحتشد الناس حولهم من أجل رسوم إهداء شخصيّة أو صورة للذكرى (الرسامون هناك نجوم توازي الشخصيات التي يبتكرونها). عالميٌّ في تنوعّه هو مهرجان "لوكا" (وإن طغى عليه الأنتاج الأيطالي) من اليابان الآسيويّة إلى الغرب الأميركي مروراً حُكماً بالريادة الأوروبيّة لهذا الفن، إلى استحضار تجارب محلّية منسيّة أوعلى هامش الأنتاج العالمي وإلقاء الضوء عليها. ومناسبة السنة في هذا الأطار تمثّلت بالشريط المصوّر اللبناني حيث كان لبنان الدولة الضيف للمهرجان من خلال معرض نُظّم بالتعاون بين إدارة المهرجان ونقابة محترفي فنون الغرافيك والشريط المصوّ والتحريك والكاريكاتير اللبنانيّة برئاسة ريتا مكرزل.
"لبنان في لوكا". هو الشعور المغاير الذي انتابني. من مشارك عشريني هامشي مغمور إلى منظّم ومشارك لمعرض في وسط الحدث. زينة أبي راشد كانت المميّزة بين الفنانين العشر الذين تمّ اختيارهم لتمثيل أطياف الأنتاج المحلّي أسلوباً، لغةً ومواضيع وكان لديها في إحدى خيم الناشرين حفل توقيع لكتابها الذي صدر حديثاً بالأيطاليّة. عشر من الفنانين اللبنانيين ونماذج لأعمالهم عُرضت (كما المعارض الرسميّة الأخرى) في غُرف مبنى البلديّة الأثري وكان جناح شقيقة نابليون من نصيب العرض اللبناني. أعمال رافقتها مقدّمة مطوّلة عن تاريخ الشريط المصوّر اللبناني من إعداد لينا غيبة نشرت في الكتاب الرسمي السنوي للمهرجان (باللغة الأيطاليّة!)، إلى طاولة مستديرة بإدارتها والمنسّق العام للمهرجان جيوفانّي روسّو، وتحدّثت فيها عن شؤون الفن التاسع عندنا، همومه وانجازاته، نجاحاته وخيباته، مع التطرّق إلى خصوصيّاته التي تراوح بين المعاناة من سلطة الرقابة (واقع الشريط المصوّر الخاص بالراشدين) والصعود المتنامي للشريط المصوّر الديني واالحربي عند الناشئة الصغار (تجربة فريدة "نتميّز" بها عن باقي المجتمعات في العالم حتى تلك التي خضعت لأنظمة توتاليتارية).
احترافيّة بامتياز الأعمال المعروضة في الصالات الأخرى وإن كان بعضها ينحو منحى التجريب. وكأن القيّمين على المهرجان أرادوا التأكيد من خلال خياراتهم وانتقائهم للمعارض الرسميّة أن إتقان الحرفة (وهنا الرسم والكتابة) ممرّ إجباري للأعتراف بشرعيّة العمل، وأن الهامشيّة والتمرّد لا تعني الهواية والأختبار لا يعني الخفّة. خيارات يبدو أنهم يتشاركون فيها مع جمهورهم الألوفي المستعدّ لدفع ثمن المرور من الرتابة اليوميّة إلى داخل أسوار الأبداع والأبتكار.
شعور غريب انتابني، أنا الآتي من مشرق مُثقل بالحروب الدينيّة والمذهبيّة، لرؤية صفحات من الشريط المصوّر وبعضها إيروتيكي، منتشرة داخل كنيسة تحوّلت للمناسبة قاعة للحفل الختامي ولتوزيع الجوائز، تحت أعين تماثيل للقديسين والرسل ولوحات تصوّر أعمالهم. وكأن الشريط المصوّر الذي انطلق حركة تمرّد على الفنون التقليديّة للرسم والتصوير تصالح مع ماضيه البصري داخل مجتمع مدني يفصل فعلاً لا قولاً الدين عن الحياة المدنيّة. ربّما لأن لوكا نفسها، المدينة الأثرية الغارقة في قدمها الديني (أبوابها الست وساحاتها جميعًا بأسماء قدّيسين) تريد القول أن القديم النائي وإن محاطاً بسور فريد في هندسته يفصله عن روما-المركز البعيدة مسافة، يمكن أن يستمرّ عبر إعادة صياغة دوره، فها هي تفرض نفسها العاصمة الأقدم أوروبيّاً للفن التاسع الحديث. ولافتة في هذا المجال المقارنة مع أنغولام الفرنسية، المدينة البعيدة عن باريس-المركز والتي ابتكرت لنفسها الدور إياه عاصمة الشريط المصوّر الأولى.
شعور غريب معاكس هذه المرّة انتابني عائداً إلى بيروت المدينة التي تعيد صياغة نفسها أبداً، والباحثة باستمرار عن دور لها في محيط لا يشبهها. مدينة ناسها غير متصالحين مع ماضيهم وعلى تناقض مع حاضرهم وتنافر مع مستقبلهم. وكأني بها شريط مصوّر يعيد كتابة نفسه إلى ما لانهاية.
مدينة كأني بها الشريط المصوّر بذاته!
جورج خوري (جـاد)
بطاقة المعرض اللبناني:
ضمّ المعرض اللبناني أعمالاً للفنانين: مازن كرباج، جومانا مدلج، فؤاد مزهر، زينة أبي راشد، جورج أبو مهيّا، روني سعيد، هاني بعيون، برّاق ريما، عمر خوري، لينا مرهج مع تكريم للفنّان الراحل إدغار آحو.
نظم المعرض جورج خوري (جاد) في إطار التعاون بين إدارة المهرجان و نقابة محترفي فن الغرافيك والرسم في لبنان.
منح جورج خوري (جاد) خلال الحفل الختامي وعلى هامش المسابقات، جائزة تكريم لمجمل أعماله ومساهمته في فن الشريط المصوّر.
Posted by
J A D
Labels:
A N - N A H A R,
T E X T
Subscribe to:
Posts (Atom)