Sunday, April 18, 2021

"جماعة ألبا" حرفيّون يقتحمون، يستفزّون، ويفرضون الإيقاع


 

"جماعة ألبا" حرفيّون يقتحمون، يستفزّون، ويفرضون الإيقاع

 

حين تتحوّل الأكاديميا رافعة لفنون الهامش "المشاغبة" (2)

"جماعة ألبا" حرفيّون يقتحمون، يستفزّون، ويفرضون الإيقاع


ميشال ستاندجوفسكي، التأسيس والريادة (كاميرا ميريام بولس)

محمد قريطم حرفيّ الكادر والحركة.

إذا كانت مجلّة "السمندل"، وفي تأسيسها هواة متحمّسون من متخرجي الجامعة الأميركيّة في بيروت أطلقوا الشرارة الأولى لإعادة إحياء الشريط المصوّر للراشدين في لبنان والعالم العربي مستلهمين الحركة الاعتراضيّة والتجريبيّة الأنكلوساكسونيّة لهذا الفن ومراجع طفولتهم من مجلات الأطفال اللبنانية والرسوم المتحرّكة المدبلجة، فإن طلاب الأكاديميّة اللبنانيّة للفنون "ألبا" الأولى في إدخال هذا الاختصاص ضمن المنهاج التعليمي الجامعي، انطلقوا من الإختصاص والمعرفة الشموليّة لتاريخ هذا الفن من مصادره الفرنكوفونيّة التي تختصر الإنتاج الأوروبي المتعدّد إذا لم نقل العالمي، وهم الآن موجودون في كل مفاصل الانتاج والجماعات وباتوا روّاد الجيل الجديد الذي يفرض إيقاع الحركة الحاليّة في بلادنا.

المغامرة انطلقت مع حلم فتاة بعد انتهاء الحرب الأهليّة عندنا (1992)، تلقّفتها "ألبا" المعروفة بريادتها الفنون الطليعيّة منذ بدايات القرن الماضي (تأسست في 1937) لتبني على مرّ السنين منهاجاً أكاديميّاً كان ولا يزال فريداً في منطقتنا يمنح شهادة ماجستير في الشريط المصوّر. ميشيل ستاندجوفسكي، وهي أيضاً من أوائل الفنّانين الذين أطلقوا في بداية الثمانينات الحركة الحديثة للشريط المصوّر فنّاً مستقلّاً يحاكي الفنون البصريّة الأخرى، كاسرين عُرف أنه للأطفال والناشئة، بدأت في صفحات جريدة الــ"أوريان-لوجور" كتابة مقال أسبوعيّ (1979-1989) للتعريف بآخر الإصدارات الفرنسية التي كانت تشهد ثورة على الإرث التقليدي، فكانت نافذتنا الأوروبية أيام الحرب للتواصل مع الجديد المختلف من مواضيع وفنّانين، إلى جانب نشرها شريطاً اسبوعيّاً ساخراً (1978) استمرّ عقداً (Beyrouth-Déroute). وضعت دراسة أولى عن "الشريط المصوّر اللبناني الحديث" وهو عنوان المعرض الذي أقيم في 1985 في معهد غوته الألماني في بيروت الحرب وشاركت فيه بأعمالها للمرّة الأولى قبل أن تأخذها مغامرتها لاحقاً إلى عواصم عالميّة عرضاً ونشراً، كان آخرها الرواية المصوّرة للسيرة الذاتيّة لعائلتها "كل البحار" (Toutes les Mers).

لم تكتف ميشيل ستاندجوفسكي بنقل خبرتها التقنيّة ومعرفتها إلى طلابها، وإنما كانت دائماً تبحث عن تطوير أفقهم بالتواصل المباشر مع فنانين بارزين شكّلوا علامة فارقة في تاريخ المهنة، فكانت تدعوهم لإقامة محاضرات عن فنّهم أو ورش عمل للتعرّف إلى الإختبار الذي لا يزال يزخر به الشريط المصوّر. كأن التواصل الشخصي لا يروي عطش الطلاب، لذا نظّمت ولا تزال رحلات سنويّة إلى المركز العالمي الرئيسي لهذا الفن في مدينة أنغولام الفرنسيّة التي تتحوّل مطلع كل سنة إلى محجّة للمحترفين من الفنانين والكتّاب والهواة ودور النشر من كل صوب وكل راغب في الترحال في المحيط اللامتناهي لإنتاجاته. هندست منهاجها الذي يمتد خمس سنوات للتركيز على الإختصاص. وإذا كان معروفًا عنها صرامتها في التأسيس فهي تركت لا بل شجّعت طلاّبها على الإبتكار والإختبار سواء في المواضيع أو بناء النصوص والأهم في أساليب الرسم والسرد البصري الذي تميّزوا به وحملوه علامة فارقة في ما بات يعرف بـ"#جماعة ألبا": محترفون بعيدون عن الهواية، مغامرون يكسرون التابوهات، متعدّدو المواهب واللغات يمتلكون أدوات صناعتهم ويبتكرون الحلول البصريّة والإنتاجيّة التي غالباّ ما تصبح تقليداً تتناوله جماعات الشريط المصوّر على مساحة العالم العربي (وإن كان الكثير من انتاجهم غير ناطق بلغته).

لاكتمال دائرة التخصّص يطلب في سنة الماجستير الأخيرة وضع كتاب يجري تقييمه على أساس كل مراحل الإنتاج المختلفة من بداية الفكرة إلى الطبع النهائي، والشريط المصوّر هو في الأساس مادّة تواصل مطبوعة تأخذ "ألبا" على عاتقها المساهمة في نشره وتوزيعه، وهي أصبحت إلى رسالتها التعليميّة أكبر دور النشر المتخصّصة.



 
 

     ترايسي شهوان، في الصفوف الأماميّة الاحتجاجيّة.                    رافاييل معكرون، نقاوة خطّ وألوان "الأرضيّون"

لا يعود غريباً إذاً أن نرى "جماعة ألبا" يتحوّلون إلى القوّة الدافعة لحركة الشريط المصوّر الحديث عندنا، هم الجيل الثالث اليوم الذي تقوم عليه "السمندل" مساهمة (جميعاً) أو تحريراً للأعداد التي باتت سنويّة (جوزيف قاعي، رفاييل معكرون، ترايسي شهوان)، وهنّ أساس جماعة "زيز"، المولود الحديث للشريط المصوّر الإختباري (كارين كيروز، كارلا حبيب، نور حيفاوي، ترايسي شهوان) ونشرتها "الجريمة" التي لم توقفها الإضطرابات وظروف النشر الصعبة وربّما الملاحقات، فانتقلت إلى الفضاء الإفتراضي مع عددها الأخير. منهم المعلّقون والنقّاد إلى جانب انتاجهم الفني (رالف ضومط) أو من الأساتذة الذين يساهمون و"معلّمتهم" في استمرار الرسالة (غدي غصن، رالف ضومط). نراهم شابات وشباباً في الصفوف الأولى لكل حركة احتجاجيّة وبرزوا منذ انطلاق ثورة 17 تشرين يطبعون على قمصاننا الرسوم التحريضيّة ويغطّون جدراننا بالشعارات وبخطوطهم التي أصبحت جزءا من فن التصميم الذي ابتدعوه ورفاقهم من الجامعات الأخرى. كسروا التابوهات والمحرّمات وأعادوا إلى الشريط المصوّر طابعه الرومنطيقي والشعبي "المشاغب" دون ابتذال بعدما جنح في بعض تجاربه ليكون فن نخبة أسوةً بالفنون البصريّة الأخرى. جماعة أفرادها مبادرون أينما حلّوا لا ينتظرون الطلب ليبدعوا كما أصبحت العادة عندنا. شباب وشابات طلب منهم أن يكونوا محترفين على مقاعد الدراسة، فاندفعوا بروح شابة طموحة في عالم الاحتراف ونجحوا أينما حلّوا سواء بقوا عندنا (غالبهم)، أو غادروا (مازن كرباج الرحّالة الدائم، زينة أبي راشد أيقونة الشريط المصوّر اللبناني في الخارج، إيلي داغر الحائز جائزة مهرجان كانّ بعد انتقاله من الشريط المصوّر إلى فنّ التحريك، رفاييل معكرون التي تنشر المجلات والصحف العالميّة رسومها وكتابها الباريسي الأخير "الأرضيّون" (Les Terrestres)، محمد قريطم وشغفه الدانماركي أو ترايسي شهوان في مغامرتها الأميركيّة الأخيرة).

 التفافهم حول "روح الألبا" كما يردّدون، لم يمنع التمايز والإختلاف الذي نشأوا عليه في قاعات أكاديميّتهم أسلوباً في الرسم أو في خياراتهم السرديّة. فلا أحد يشبه الآخر وإن كان الجميع يتعاون ويتساعد، وهنا قوّتهم "جماعة": جوزيف قاعي مرهف الخط وعميق الإحساس يتجرّأ بجماله وأثيريّة ريشته في عالم الجندرة، رالف ضومط يعيدنا إلى الأصول السرديّة والخط الواضح لمدرسة بروكسيل، رفاييل معكرون وأسلوبها الواقعي وريشتها النقيّة وألوانها الباهرة، كارين كيروز تتجاوز المألوف البصري وترحل بعيداً في الاختبار، غدي غصن يستفزنا بخطوطه التعبيريّة الواثقة وبسرده القوي، كارلا حبيب تقترب من تجارب الفن التشكيلي المعاصر، نور حيفاوي تستدرجنا بخطوطها الشفافة إلى عالم يفاجئنا بعنفه، ترايسي شهوان تطيح بريشتها العنيفة كلّ محرّم و"تغتصب" استقرارنا النفسي والبصري، محمّد قريطم بسيولته البصريّة وريشته الذكيّة التي لا تحتاج إلى نصّ لتروي، إيفان دبس الآتي من عالم الخيال العلمي ويذكّرنا بكبار المحترفين العالميين اتقاناً للرسم والسرد البصري، نعومي حنين ورهافة رسمها وغنى ألوانها وسخريتها السوداء في مواجهة مرض السرطان الذي تجاوزته، واللائحة تطول. هذا إذا استثنينا الأيقونات من مثل مازن كرباج وزينة أبي راشد اللذين شقّا طريق الممكن.

جوزيف قاعي وشفافيّة الجندرة.                            إيفان دبس يحاكي العالميّة

 مختلفون إلى حدود التناقض ومتّحدون إلى حدود الأخويّة هم "جماعة الألبا" ويرفضون التوقف عن الإنتاج ولو كان على الورق الرخيص وبالأبيض والأسود، حفاظاً على استمرار حرفة الطبع الورقي ورفضاً للتحوّل إلى خيالات افتراضية على شاشة كومبيوتر أو هاتف ذكي. هم وهنّ، بعددهم وتجاربهم وانتشارهم في أنشطة مختلفة، أصبحوا المثال الذي يقتدى به، وضباط الإيقاع لحركة الشريط المصوّر وتنوّعها واستمرارها عندنا. معهم وبعدهم جاء الطبع بتقنيّة "الريزو" حين أصبح النشر مكلفاً، معهم جاءت الملصقات الافتراضية لبضائع تحمل معنى ورسالة اجتماعيّة وسياسيّة مضمرة أو لحفلات موسيقيّة لم تجرِ أو لأفلام لم تُعرَض أو يعيدون صياغتها لسبب هو التجريب الفنّي والرغبة في فنون بديلة. معهم أصبح الرسم الحي المرافق لموسيقى إيقاعيّة أمام جمهورهم تقليداً كأنه تمرين يلجأون إليه حفاظاً على ليونتهم الحرفيّة أو لتجارب تقنيّة قبل وضعها على الورق. ألغوا المسافة الفاصلة بين ما يعيشونه ويعبّرون عنه، وكأن الشفافيّة والصراحة مفتاح الإنتماء إلى الجماعة.

إذا كان الدور الريادي في محيط ما، لا يقاس بالمألوف أو المتعارف عليه وإنما بما هو مختلف ومستفزّ ومدعاة للتفكير والإبتكار وتجاوز الذات، فإن الأكاديميّة اللبنانية للفنون "ألبا" تعطينا الرسالة الإيجابيّة بأننا لا نزال نملك مقوّمات الريادة في محيطنا برعايتها وتطويرها وتنشيطها لفنون غير تقليديّة ومألوفة وخصوصاً الفنون التي كانت تعتبر "هامشيّة ومشاغبة" وباتت اليوم مقياساً للتقدّم.

ميشيل ستاندجوفسكي، حلمك تحقّق وبفضل "جماعتك" هو مستمر، فاطمئني.

جورج خوري (جــاد)   

 


 

Monday, April 12, 2021

الجامعة الأميركيّة مركزاً وجائزة من "محمود كحيل"


 

الجامعة الأميركيّة مركزاً وجائزة من "محمود كحيل"

 

حين تتحوّل الأكاديميا رافعة لفنون الهامش "المشاغبة" (1)

الجامعة الأميركيّة مركزاً وجائزة من "محمود كحيل"

 

في العرف الأكاديمي الأميركي الخاص يتقدّم متبرّعون إلى الجامعات أفراداً أو بأسماء مؤسساتهم بمنح دراسيّة أو بدعم لبرامج ومراكز أبحاث لأسباب تتعلّق بالسياسة أو تخليداً لذكراهم أو عرفاناً بما أعطته لهم هذه المؤسسات في سنوات دراستهم التي أوصلتهم إلى ما هم عليه. وغالباً ما تكون في مجالات "مرموقة" كالطب والهندسة والعلوم التطبيقيّة وأقلّ منه في مجالات ثقافيّة وفنّية، ونادراً لفنون تعتبر في العرف المؤسساتي هامشيّة أو "مشاغبة".


لينا غيبة مديرة المبادرة

الجامعة الأميركية في بيروت خرقت هذا العرف في فتحها المجال لمبادرة خاصة بالشريط المصوّر العربي، توثيقاً وبحثاً ومعارض ولقاءات أكاديميّة دوريّة تستقطب باحثين من المنطقة والعالم من المتابعين (تتحوّل إلى مركز في نهاية سنتها الخامسة) تديرها ولا تزال الفنانة والأكاديمية لينا غيبة، في رعاية رجل الأعمال اللبناني المعتز الصوّاف[1] الذي خرق بدوره التقليد وفضّل دعم "الهامش" و"المشاغب" الذي بات مؤثّراً اليوم في أوساط الشابات والشباب المطالبين بالاعتراف باختلافهم في التعبير (أسوة بغيره مثل فن الغرافيتي أو عروض فنون الشارع أو الفنون الموسيقية البصريّة وغيرها). ربّما لأنه منذ وجوده في الجامعة طالباً في الهندسة المعمارية وهو "مهووس" بهذا الفن ويمارسه كهاوٍ ولا يزال، وأسس فيها ناديًا للكاريكاتور والشريط المصوّر قبل أن تأخذه طموحاته إلى عالم الأعمال الكبرى التي نجح فيها. لكن "الفيروس" رافقه وهو الآن صاحب أكبر مجموعة لأعمال فنانين من الروّاد العرب والعالميين في الشريط المصوّر والكاريكاتور في منطقتنا وأحد أبرز الداعمين لنشاطات الشريط المصوّر العربي أينما كان في بلادنا أو الخارج، ومن أبرزها جائزة "محمود كحيل" السنوية التي ترعاها مبادرته لفنون الشريط المصوّر والكاريكاتور والرسم التمثيلي ورسوم كتب الأطفال.

 مكتبة الجامعة الأميركيّة هي الخيار الحتمي أيضاً لمن يريد الغوص في البحث في هذا المجال وفيها ثروة نادرة في أرشيفها الذي يعود إلى ما قبل صدور أول منشور للشريط المصوّر في نهايات القرن التاسع عشر مع يعقوب صنّوع المصري المشاغب وجريدته "أبو نظّارة الزرقا" المناهضة للعهد الملكي والاحتلال البريطاني آنذاك. لينا غيبة جاءت ونفضت الغبار عن هذه الثروة المضمرة (ربما لأنها فنانة من روّاد الشريط المصوّر الراشد عندنا واستاذة في هذا الاختصاص) ووضعتها أمام الباحثين الذين يتزايد اهتمامهم بمنطقتنا بعد الانتفاضات العربيّة، وأرست تقليداً يقوم على اقتناء المكتبة كل منشور أو كتاب أو مجلة تعنى بالشريط المصوّر على مساحة العالم العربي، وأطلقت ورشة نسخ رقمي لهذا الأرشيف الضخم ليكون في متناول من يريد البحث فيه من أي مكان ينوجد فيه، وأثبتت رؤيتها فعاليّة خصوصاً في زمن الكورونا حيث البقاء في المنزل والعمل منه في الوسط الأكاديمي أصبح القاعدة وليس الاستثناء. وكونها من الجيل الرقمي منذ انطلاقه خجولاً في تسعينات القرن الماضي عرفت أن المستقبل لهذه الأداة وإذا بها مستعدّة من دون عناء للتحوّل إلى التواصل الرقمي "وقت الازمة" فنقلت معها بسلاسة لجان التحكيم والندوات المتخصّصة إلى الفضاء الافتراضي. والندوات البحثيّة التي تنظمها، وإن كانت تستقطب باحثين من العالم، أرادتها مواضيع ترتبط بواقعنا الحديث سواء السياسي أو الاجتماعي أو الفردي: "السيرة الذاتيّة في الشريط المصوّر" (2015) والانتقال من المواضيع العامة والترفيهية إلى الخاص والذاتي، "الحرب والنزاع في الشريط المصور" (2017) الذي ترافق والثورات العربيّة، "الشريط المصوّر المشاكس" (2018) وموضوع الناشطين في مجالات الحريّة والعدالة وحقوق المرأة، "النزوح وطلب اللجوء في الشريط المصوّر" (2019) الذي جاء على خلفيّة المأساة السوريّة الكبرى والمآسي الأخرى المشابهة في عالمنا العربي. ونظّمت إلى جانب كل ندوة معرضاً جماعيا لفنانين عرب وأجانب عملوا ونشروا في المواضيع المختارة داعية بعضهم للحضور ليستفيد منهم طلابها ورشات عمل والجمهور الأوسع المهتمّ بهذا الفن.

 هي من الناشطات إلى جانب كونها أكاديمية، عملت مع طلابها على مشاريع جماعيّة سواء في الشريط المصوّر أو التحريك الغرافيكي، دفاعاً عن الأبنية الآيلة إلى زوال مع "Durfour mon amour" )دورفور مع حبّي)، "جدران غريبة" عن ذكريات الحرب الموشومة على جدران المدينة، و"قطار سكة الحديد" قصص ذاتيّة عن خط السكّة الحديد المتوقف عن العمل عندنا منذ عقود. ومع بداية ثورة 17 تشرين نقلت لينا غيبة صفوفها إلى "الميدان" ونتجت منها "قصص مثوّرة"، شرائط عن تجارب الطلاب الشخصيّة في الثورة وتأثيرها عليهم.

 ولأن الحركة الحديثة للشريط المصوّر قائمة على التلاقي بين المجموعات التي انتشرت في بلادنا "من المحيط إلى الخليج" وبدأت مع "السمندل" اللبنانية، وتلتها مجلات "توك توك" و"كاراج" مصر، ومخبر619 تونس، و"سكف كف" المغرب، و"حبكة" ليبيا، و"مساحة" العراق، و"فانزين" الأردن، وغيرها ممن أطلّ وتوقف عن الصدور، جمعت المبادرة قبل عامين أبرز الفاعلين من هؤلاء الفنانين في معرض رئيسي استضافه المتحف الوطني للشريط المصوّر ضمن فعاليات المهرجان الدولي لعام 2018 في مدينة أنغولام الفرنسيّة التي تعتبر أبرز المراكز العالميّة لهذا الفن، وترافق مع ندوة متخصّصة وكتاب بحثيّ تضمّن أبحاثاً ونماذج من الأعمال المعروضة للفنانين ويعتبر اليوم من أكثر المراجع شموليّة في توثيق "الشريط المصوّر العربي اليوم" وهو عنوان المعرض والكتاب، رعى افتتاحه رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري إلى المعتزّ الصوّاف ولينا غيبة.

 "جائزة محمود كحيل"





  مي كريّم وقصة "ريّا وسكينة



ميجو "ملبن سادة"                                       

وإذا كان من تقليد الجامعة أن تمنح سنويّاً طلابها المتفوّقين جوائز ومنحاً دراسيّة، أرادت عن طريق مبادرتها أن تتوسّع مساهمتها إلى خارج أسوارها البيروتيّة لتشمل العالم العربي، ما يتماشى ومهمّتها التأسيسيّة منذ أكثر من قرن ونصف القرن إشاعة رسالة التنوير والتقدّم في محيطها اللبناني والعربي. وها هي تضفي المشروعيّة الثقافيّة على فن الشريط المصوّر الذي غالباً ما وصف بـ"الهامشيّة" و"المشاكسة" معترفةً بدوره الفاعل اليوم وسط الفنون التصويريّة المعاصرة متقدّما غيره في أوساط الشباب العربي. وجاءت "جائزة محمود كحيل[2]" الماليّة (تكريماً لأحد روّاد الجيل الثاني من فناني الكاريكاتور اللبنانيين) لتحفّز هؤلاء على الإنتاج ودعمهم للاستمرار وسط ظروف النشر الصعبة التي يمرّون فيها. ويتقدّم المئات منهم سنوياً ويكرّم من كان من الروّاد والداعمين له، تختار الفائزين بينهم لجنة مختلفة كل سنة مؤلفة من اختصاصيين عرب وأجانب تختارهم لينا غيبة من شبكة علاقاتها الأكاديميّة والفنّية المحلّية والعالميّة الواسعة.

تكفي مراجعة الكتاب السنوي الذي تصدره المبادرة للمرشحين والفائزين لتكوين معرفة بمآل اتجاهات التيّار الحديث للشريط المصوّر العربي شكلا ومضمونا واللاّعبين الأساسيّين فيه من فنانات (وهنّ كثر وطليعيّات) وفنانين، ومجلّات، ومجموعات، ونشاطات. وكانت المساهمات السنة رغم جائحة كورونا والحجر الصحّي الذي طاول الكوكب، سواء على صعيد الكمّية أو النوعيّة دليلا على العافية والاندفاع الذي لا يزال يمتاز به هذا الفن عندنا وفي العالم. وهو مؤشّر يدعم الإحصاءات الرسميّة لعالم النشر في فرنسا خصوصاً وأوروبا والولايات المتّحدة عموماً حيث يحتل الشريط المصوّر صدارة نسبة زيادة الاقبال عليه في أوساط الناشئة والشباب، ربّما لحاجتهم إلى الحلم والخيال داخل جدران الغرف المحجوزين فيها رغماً عنهم.

 حين يلتقي صرح أكاديمي لبناني عريق وطليعي في السعي الدائم إلى مواكبة التغيير مع إرادة رأسمال محلّي يؤمن بهذا التغيير لتقديم نموذج في التعاون المنتج والمستدام وسط ظروف كارثيّة وأبوكاليبتيّة تنتظر فيها فعاليّتنا الثقافيّة والفنيّة مبادرات ومساعدات ودعم خارجي يؤمّن استمرارها، يمكن القول إن الدور "المجنون" والمبدع والتأسيسي لهذا البلد وسط الجفاف العربي الحالي لا يزال رهاناً مشروعاً. 

 الجامعة الأميركية في بيروت، المعتزّ الصوّاف، ولينا غيبة، شكراً للنموذج.

جورج خوري (جـــاد)



[1] يدعم المعتزّ الصوّاف نشاطات وفاعليات عدة في لبنان والعالم العربي منذ عقود، وينشر لبعض الفنانين الناشئين قصصهم المصوّرة القصيرة لكن تبقى مساهمته الأهمّ في المبادرة التي يرعاها.

[2] الفائزون بجوائز السنة هم: ميجو (مصر) عن فئة الشريط المصوّر، مي كريّم (مصر) الرواية التصويريّة، ميشال جبّارين (فلسطين) الرسوم التصويريّة والتعبيريّة، ديالا برصلي (سوريا) رسوم كتب الأطفال، موفق قات (سوريا) الكاريكاتور السياسي. أما الجوائز الفخريّة للسنة فكانت لبرنامج الماجستير في الرسم التصويري والشرائط المصوّرة في الأكاديميّة اللبنانيّة للفنون "ألبا" عن فئة "راعي الشرائط المصوّرة"، فيما منحت جائزة "إنجازات العمر" لفنان الكاريكاتور المخضرم المغربي إبراهيم لمهادي.